شـاردة واردة : الخوف من المعلومات

نشرت في: 
أخبار الأدب

 إذا كنت من الذبن يرتادون شبكة المعلومات الدولية، أي "الإنترنت"، فستعرف مقصد هذا العنوان ومعناه، إن فتحت موقع الحكومة المصرية أو أي موقع مصري رسمي أو شبه رسمي أو حتى "قومي" اشتقاقا من "الصحف القومية" و"المجالس القومية" و"الهيئات المستقلة"، التابعة لرئاسة الجمهورية أو لمجلس الوزراء، (حاول حل هذا اللغز بين "مستقلة" وفي الوقت نفسه "تابعة". ولا تتعب نفسك، فحتى لو لجأت إلى "تناقض المصطلحات"، فلن تحله).

غايته، لن تجد على أي من هذه المواقع أي معلومات تستحق هذا الوصف أو حتى تقترب منه ولو على استحياء.

أما إذا لم تكن من رواد تلك الشبكة الزاخرة، فجرّب الذهاب إلى أي جهة تندرج تحت تلك التصنيفات أعلاه وأن تسأل عن معلومات عن أي شيء ... عندئذ ليس أصلح لك من دعاء "أجارك الله".

ويا ويلك، لو حاولت أن تعرف أسباب هذا التكتم. ألطف ما قد تعاني هو نظرات الضيق لا يخفيها عنك من تسأل. لكن هناك ما هو أكثر صرامة وتهذيبا في الوقت نفسه؛ "روح هات لنا تصريح" ، من أين؟ قد يجيبونك وقد لا يجيبون. فإن إجابوا، ستجد هناك من يلاحقك بالأسئلة عن أغراضك من الحصول على المعلومات، ثم، في النهاية، إذا اقتنع من سألت والذي أصبح يسألك، سيطلب منك رسالة رسمية من "الجهة التي تتبعها" (فكرة المواطن المستقل، ليست واردة)، تشهد بأنك في حاجة إلى تلك المعلومات لأغراض مفيدة أو على الأقل بريئة، وفي النهاية سوف يُبحث طلبك بعد الحصول على موافقات الجهات المعنية التي لا يجوز أن تعرف ما هي.

عندئذ، إذا كنت حسن الظن أو حسن النية أو كليهما، فستعتقد أن الجهات هذه، لديها من الأسرار ما لايجوز البوح به وأنها تعرف كيف تحفظ أسرار الوطن والدولة، وتحرص على الأمن القومي الذي قد يصيبه ضرر ـ مهما كان طفيفا ـ إن هي باحت ولو بأيسر اليسير من ما اؤتمنت عليه من أسرار؛ ربما اهتداءً بأغنبة فيروز "لا تسألوني ما اسمه حبيبي، أخشى عليكم ضوعة الطيوب". وقد تغريك نفسك ، الأمّارة بالخير كما بالسوء كما بالحماقة كما بالحكمة، أن تخرج على العالم شاهرا سرّك، لا سيفك كما عجب الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري للجائع كبف لا يفعل. لكنك ستخرج على العالم شاهرا حفاظ أولي أمرك على أسرارهم من أجل أمنك وأمانك ـ متباهيا بين الأمم وعليها، بأن أحدا لا يستطيع أن يعرف شيئا من أسرار بلدك المصونة (الأسرار وليس البلد طبعا، فالبلد ـ كالحرَم ـ يقال له المصون).

لكن تباهيك على الأمم قد يخفت إن اشتبهت بما هو أقرب إلى اليقين: أن أولي أمرنا هؤلاء يخشون علينا من نور المعرفة.

* * *

صحيح أن "بعض الظن إثم"، ومع أن العبارة الحكيمة تعني أيضا أن بعض الظن فطنة، فالأسلم هو تجنب شبهة التأثم، على قول الحريصين من الفقهاء.

نجنبا لتلك الشبهة ، هل يصلح افتراض أن أولي أمرنا هؤلاء، في الحقيقة، لا يبخلون على العامة والخاصة والعالم بالمعلومات عن شؤون البلد وأوضاعه وأحواله، إنما المسألة ببساطة، هي أنهم لا معلومات لديهم، لا أبيض ولا أسود.

لكنهم، كما نعرف، يضعون سياسات، يعززونها بقوانين ومراسيم ولوائح وقرارات وتوجيهات "الجهات العليا" التي نعرفها ولا نعرفها (دون تناقض مصطلحات)، فهل من المعقول أنهم يفعلون هذا كله دون معلومات؟ هل يمكن أن تكون السياسات دبيبا في الظلام؟

أم أنهم يخافون المعلومات؟ بخافون ذيوعها وانتشارها.

لماذا، هل لديهم ما يخشونه فيُخفونه؟

هل يمكن أن يقال: لا بأس، لهم إخفاء ما يخشون على أنفسهم من ذيوعه، لهم أن يخفوا ما يشاءون من شؤونهم حماية لآنفسهم ولمصالحهم، حتى بغض النظر عن شرعيتها، لكن هل لهم أن يخفوا عنا ما يعنينا من شؤوننا؟

أم أن من فطنتهم، على قلتها، أنهم يعرفون أن المعرفة كالحبْل من يدع أوله لا يستطبع الإمساك بآخره، وأن من بقول "ألف"، لا بد أن يقول "باء"؟